تتزين القاهرة كل مساءٍ بأضواء اللافتات والمحلات التجارية والإطلالة المميزة للفنادق العالمية التي تتألق في سماء العاصمة، كما تنبض شوارعها بحركة المارة والسيارات التي تصل لذروتها في وسط المدينة، ويأتي برج القاهرة وسط هذا المشهد الساحر ليفرض نفسه كأحد أبرز معالم القاهرة ليلًا.

بالإضافة إلى ذلك، تتميز مصر بنمو النشاط الاقتصادي، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر 294.28 دولار أمريكي لتحتل المركز الثالث في قائمة فوربس الشرق الأوسط لأكبر الاقتصادات في المنطقة العربية[1]. وفي عام 2016، تفوقت مصر على جنوب إفريقيا لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا، فضلًا عن ذلك، تمتلك مصر أكبر مصفاة لتكرير البترول في القارة السمراء، كما أنها أكبر دولة منتجة للنفط من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، يشهد قطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر نموًا سريعًا، ويعد الاقتصاد المصري واحد من أكثر الاقتصاديات تنوعًا بين الدول العربية. وقد أحرزت مصر تقدمًا ملحوظًا في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمعدل 0,707 لتكون بذلك في فئة "التنمية البشرية المرتفعة"[2].

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك: لماذا تواصل العديد من المنظمات الدولية تصنيف مصر كدولة نامية؟

مشاكل في التصنيف

في البداية، دعونا نتفق إنه لا يوجد معيار واضح لتصنيف "الدولة النامية".

لا يوجد اتفاق صريح حول المعايير الخاصة بتصنيف "الدول النامية"، حيث تعتمد النظم المختلفة التي تقوم بتحليل أوضاع الدول والمقارنة فيما بينها على مجموعة متنوعة من العوامل من بينها الدراسات المتعلقة بالاقتصاد السياسي والتطور الاجتماعي، والنظريات الخاصة بإنهاء الاستعمار والماركسية، وبالتالي يتبنى كل نظام مفهومه الخاص عن "الدول النامية" وفقًا لمعاييره.

وبالنسبة للأمم المتحدة، فقد أقرت بأنها لم تعتمد معيارًا رسميًا لتصنيف البلدان "المتقدمة" و"النامية"، حيث تستعين ببعض المؤشرات للقياس عليها مثل مقارنة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما بالدول الأخرى، وبناءًا على ذلك، لا تعارض الأمم المتحدة إذا ما قامت أي دولة بتصنيف نفسها على أنها دولة "نامية". أما بالنسبة للبنك الدولي، فلم يعد يستخدم مصطلحي "المتقدمة" و"النامية" لتصنيف الدول، واستبدلهما بمصلحات أخرى مثل، "منخفضة الدخل"، و"متوسطة الدخل الدنيا"، و"متوسطة الدخل العليا"، و"مرتفعة الدخل"، ويقوم هذا التصنيف على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن ناحية أخرى، يتم تصنيف الدول "النامية" بمقتضى التاريخ والأعراف السائدة، حيث تعتبر اليابان في آسيا، وكندا، والولايات المتحدة في أمريكا الشمالية، وأستراليا، ونيوزيلندا في أوقيانوسيا وأوروبا دولًا متقدمة. ووفقًا لإحصائيات التجارة الدولية، يعتبر الاتحاد الجمركي لإفريقيا الجنوبية وإسرائيل أيضًا من الدول المتقدمة، وبالتالي تعتبر البلدان الأخرى "نامية"، باستثناء بلدان رابطة الدول المستقلة (أي الاتحاد السوفيتي السابق)، والتي تمر "بمرحلة انتقالية".

ما هي سمات الدولة "النامية"؟

الدولة النامية، أو "منخفضة ومتوسطة الدخل"، أو "الأقل نموًا على المستوى الاقتصادي"، أو "الغير متطورة" وهي التي تتسم بضعف إنتاجها الصناعي وانخفاض مستوى المعيشة مقارنةً بالدول الأخرى.

وتشترك الدول النامية في بعض السمات الاقتصادية وغير الاقتصادية، ومن بينها:

  • انتشار الفقر
  • تدنّي مستوى التعليم وانتشار الأمية
  • ارتفاع معدلات تلوث الماء والهواء
  • تدنّي مستوى الخدمات الصحية وارتفاع معدل الإصابة بالأمراض المعدية
  • سوء التغذية
  • العنف ضد المرأة
  • ارتفاع معدل وفيات الأطفال والأمهات
  • ارتفاع عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن حوادث المرور
  • انتشار الفساد الحكومي على عدة مستويات
  • سوء البنية الأساسية بشكل عام

وبناءًا على جميع النقاط السابقة، يقل متوسط العمر المتوقع لسكان البلدان النامية عن نظيره في البلدان المتقدمة.

متى سيتغير تصنيف مصر كـ "دولة نامية"؟

في الواقع، من المرجح أن يستمر تصنيف مصر كـ "دولة نامية" إلى أن تقوم المؤسسات العالمية مثل البنك الدولي بالاستغناء عن هذا المصطلح نهائيًا ليصبح خارج نطاق الاستخدام. فقد اتّفق البنك الدولي والعديد غيره على عدم دقة هذا المصطلح في وصف الحالة الاقتصادية للدول لأنه يقيس تقدُّم أي دولة وفقًا للمعايير الغربية للتنمية الاقتصادية.

جدير بالذكر أنه تم اختيار مصطلحي "متقدمة" و"نامية" لأغراض إحصائية، وأنهما لا يعبران بالضرورة عن مدى تطور أو نجاح أي دولة. ومنذ التسعينات، أظهرت البلدان النامية مثل الدول الصناعية الجديدة والأسواق الناشئة والمبتدئة نموًا اقتصاديًا أعلى من مجموعة البلدان المتقدمة.

وفي مصر، شهدت البلاد إجراء العديد من الإصلاحات التي كان لها تأثيرًا إيجابيًا على الأداء الاقتصادي منذ عام 2003 ومن بينها، تخفيض الرسوم الجمركية والتعريفات، وتخفيض الضرائب على الشركات من 40٪ إلى 20٪[3]، وتحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. وأثمرت تلك الإصلاحات عن تعزيز قطاع الأعمال وزيادة فرص الاستثمار، فضلًا عن ذلك، أشاد صندوق النقد الدولي (IMF) بدور مصر الرائد وجهودها المبذولة في تحسين النمو الاقتصادي.

ورغم حجم ونمو الاقتصاد المصري، مازالت مصر تندرج تحت قائمة "الدول النامية" للعديد من الأسباب، ومن بينها افتقار بعض المناطق في مصر إلى مرافق الصرف الصحي وهو ما يتسبب في وفاة أكثر من 2700 طفل مصري كل عام بمرض الإسهال[4]، ورغم ارتفاع متوسط العمر المتوقع للمصريين بشكل مطرد خلال الخمسين عام الماضية، إلا إنه مازال يحتل المرتبة 149 فقط على مستوى العالم[5]، وبينما يحتل الناتج المحلي الإجمالي لمصر مركزًا متقدمًا، يظل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من المتوسط العالمي، وبحسب تصنيفات البنك الدولي، تعتبر مصر دولة ذات "دخل متوسط منخفض"[6].

وختامًا

ماذا نفهم مما سبق - هل تعتبر مصر دولة نامية أم لا؟

دعونا نستعرض أولًا إحدى النقاط الهامة في هذه المقالة وهي عدم المساواة، والتي تتعلق بعدم المساواة في توزيع الثروات، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية، ومستوى المعيشة بين السكان مقارنةً بالدول الأخرى.

ففي عام 2010، أدخل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تعديلاً على مؤشر التنمية البشرية الخاص به (HDI) لقياس ورصد مؤشرات عدم المساواة في الدول، وبدأ في نشر نتائج مؤشر التنمية البشرية المعدل (IHDI) إلى جانب بيانات مؤشر التنمية البشرية المعتاد لتسجّل مصر نسبة 0.492%[7] مقارنة بنسبة 0.7%، مشيرًا إلى ارتفاع مؤشرات عدم المساواة في البلاد.

ومع تكرار بعض المشكلات مثل التلوث وحوادث المرور وانتشار الأمية والفقر، ستظل مصر مُدرجة تحت قائمة "الدول النامية" على الرغم من التحسن الملحوظ في أدائها الاقتصادي. فهذه المشكلات لا تختفي تلقائيًا مع النمو الاقتصادي، لأن حلّها لا يقتصر على الإنفاق الحكومي أو الخاص فحسب، بل يتطلب أكثر من ذلك بكثير.

ولعل ما يهمنا في نهاية المطاف، ليس البحث عن مصطلح مناسب لوصف الحالة الاقتصادية لدولةٍ ما، بل بقدرة تلك الدولة على الاستمرار في التحسن، وتكاتف جميع أطرافها من الحكومة إلى الشركات وحتى المواطنين لخلق حياة أفضل للجميع.

المراجع

  1. مقال هاجر عمران بمجلة فوربس بعنوان "السعودية في الصدارة. هذه أقوى الاقتصادات العربية لعام 2021" وتاريخ (22 يوليو 2021)، https://www.forbesmiddleeast.com/industry/economy/saudi-maintains-on-top-of-five-largest-arab-economies-in-2021-ahead-of-uae-and-egypt
  2. "تقرير التنمية البشرية 2020 ". برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 2020.
  3. "دليل ممارسة الأعمال التجارية في مصر: الضرائب". غرفة التجارة الأمريكية بمصر. المسترجع بتاريخ ديسمبر 2019.
  4. "تقرير منظمة اليونيسيف: مرض الإسهال، أكتوبر 2019". منظمة اليونيسف 2019.
  5. "تقرير التنمية البشرية 2019: تصنيف مؤشر التنمية البشرية" برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.10 ديسمبر 2019.
  6. "تقرير البنك الدولي: مصر، جمهورية مصر العربية." البنك الدولي. 2019
  7. "تقارير التنمية البشرية: مصر". برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. المسترجعة بتاريخ ديسمبر 2019.
نحن نهتم لدينا فريق مخصص للرد على استفساراتك وتلبية احتياجاتك
    مقارنة (0/3)
    قارن
    مقارنة (0/3)